قصة ترويها سيدة
غاية الحرمان في هذه الحياة أن نولد دون أن نجد حولنا أبا يحنو علينا وأما تعطف علينا
غاية الحرمان أن تنطفئ تلك الشموع التي تضئ طريقنا ..أن تنطفئ قبل أن نراها.
فناداه أخي أن يهم بالركوب فرفض فنزل إليه وسأله:ما بك؟
لماذا لا تركب السيارة.؟
فرنا إليه بنظرة يشوبها شئ من الأسى وقال:
لقد قالت لي المربية في الدار أن أبي وأمي قد نسياني تحت شجرة وأنا صغير
فأريد أن أجلس هنا لعلهما يأتيان ويأخذاني!
وطفل آخر في الصف الثالث ابتدائي سألني :
هل لي أم؟ جميع زملائي في المدرسة يتكلمون عن أمهاتهم !فأين أمي؟
لقد سألنا المدرس اليوم :
من التي تسهر الليالي إذا مرضت
ومن هي التي تحزن إذا حزنت وتفرح إذا فرحت؟
فقالوا جميعا: الأم ! فأين أمي أنا؟
لماذا لا تنام بقربي ولماذا لا تسهر بجانبي؟
وكثيرا ما كان أخي يدخل معهم في حوارات طويلة وأسئلة محيرة عن أمهاتهم وآبائهم ..
أسئلة يدمي لها القلب وتبكي منها العين..
من يجلس مع هؤلاء الأطفال يوما واحدا فلن يهدأ له بال ولن يطمئن له قرار..
سيشعر بوطأة ما يعانونه..وسيدرك عظيم نعمة الله علية بأن أوجد والديه على
قيد الحياة ومن عليه بنعمة العيش وسطهما.
وأخبرتني صديقتي أن أخاها يأتي لهم بيتيم من الدار كل أربعاء وخميس وجمعه
يمكث عندهم هذه الأيام ويقضي مع إخوانها أوقاتهم حيث يعملون على إسعاده والترفيه عنه ومحاولة دمجه بالمجتمع , ولقد تعلق والديها بهذا اليتيم فكانا ينتظران عصر الأربعاء بفارغ الصبر كي يحضر سلمان لمنزلهم وهو أشد منهم شوقا وانتظارا..
كان (سلمان) يرى أن الوقت يمضي بتسارع عجيب أن كان عندهم ويمضي ببطء قاتل إن كان في الدار..
وكانت صديقتي تذكرنا دائما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمسح على رأس اليتيم ويقول:
من مسح على رأس يتيم لم يمسحه إلا الله كان له في كل شعرة مرت عليها يده حسنات
ومن أحسن إلى يتيم أو يتيمة عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين) وفرق بين إصبعيه السبابة والوسطى.
واستطاعت صديقتي أن تقنعنا بأهمية مواساة اليتيم
فاتفقت مع زوجي أن نحذو حذوهم وفعلا ذهب زوجي إلى الدار في يوم أربعاء
وأحضر طفلا لقيطا في السابعة من عمره ( كعمر ولدي) ولن أنسى منظر الطفل(عبدالله)
حينما دخل المنزل متثاقلا يجر خطواته جرا.. تعلو وجهه نظرات حائرة ..خائفة ..
كلما ازداد اقترابه منا كلما ازداد خفقان قلبه..
فلم أتمالك نفسي من شدة التأثر.. تصورت ولدي في هذا الموقف !
رحمتك يا الله! كيف استطاعت أمه أن تتركه هكذا؟ حائرا في الدنيا! أي أم هذه؟ أي قلب تحمل؟
لم استطع تحمل رؤية عبدالله وهو يقف خائفا.. منكسرا..
يترقب كل من حوله بنظرات زائغة ..فدخلت غرفتي وبكيت على حاله وحال الملايين أمثاله .
في البداية كان مترددا.. خائفا.. أحجم عن كل شئ ..امتنع عن الأكل والكلام..
فاصطحبه ابني إلى غرفته حيث ألعابه هناك فقام
متثاقلا من غير رغبه وظل وقتا ليس بالقصير وهو على هذا الحال!
وبعد انتظار ممل وطول بال من ولدي اطمأن قلب عبدالله وزال عنه الوجل والخوف وأخذ يلعب بحرية وسعادة..